القدس الشرقيّة-كارثة اجتماعيّة اقتصاديّة

ممارسات مؤسّسة التأمين الوطنيّ ومكتب العمل كجزء من سياسة حكوميّة لإقصاء السكّان الفلسطينيّين إلى ما وراء الجدار العازل و"لتعزيز السيادة الإسرائيليّة"

القدس الشرقيّة-كارثة اجتماعيّة اقتصاديّة

ممارسات مؤسّسة التأمين الوطنيّ ومكتب العمل كجزء من سياسة حكوميّة لإقصاء السكّان الفلسطينيّين إلى ما وراء الجدار العازل و”لتعزيز السيادة الإسرائيليّة”

أكتوبر 2014

تمهيد

يسكن في القدس الشرقيّة حوالي 300 ألف فلسطينيّ يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيليّ (بحسب سجلّ السكّان لعام 2012). يعاني هؤلاء السكّان من نسبة فقر عالية جدًّا تشمل %77 منهم؛ ومن الجدار العازل الذي يفصل أحياءً كاملة عن الخدمات البلديّة؛ ومن نقص حادّ في الشقق في أحد جانبَي الجدار العازل؛ ومن بناء غير منظّم وبدون رقابة هندسيّة في الجانب الآخر من الجدار.

يؤدّي هذا الواقع في أحياء القدس الشرقيّة إلى كارثة إنسانيّة على وشك الانفجار- يهدّدها زلزال قد يؤدّي إلى انهيار بنايات متعدّدة الطوابق بُنيت بدون رقابة هندسيّة في مخيّم اللاجئين شعفاط وفي كفر عقب؛ أزمة المياه المتفاقمة بسبب انعدام البنى التحتيّة الملائمة لعدد السكّان؛ حدث على خلفيّة قوميّة يؤدّي إلى انفجار المنطقة كما حدث في الفترة الأخيرة؛ كلّ هذه الأمور هي جزء من الأسباب الممكنة التي قد تؤدّي إلى كارثة.

هذا الوضع ليس محض الصدفة، بل هو نتيجة حتميّة لسياسة حكوميّة معلَنة ومتعمّدة لإقصاء السكّان الفلسطينيّين إلى خارج حدود القدس التي ضُمّت إلى إسرائيل.

يستعرض هذا التقرير هذه السياسة الحكوميّة وجزءًا من طرق تطبيقها على أرض الواقع، ويركّز في التجاهل السافر من قِبل مؤسّسة التأمين الوطنيّ ومكتب العمل للتدهور الاقتصاديّ الذي يعاني منه السكّان الفلسطينيّون في القدس الشرقيّة.

يضمّ التقرير في طيّاته معطيات كثيرة من نشرات المؤسّسات الرسميّة في دولة إسرائيل، وكذلك من معطيات يتمّ جمعها على مدار السنة من قِبل نقابة العمّال “معًا”، ومن معطيات تطرحها الشكاوى الكثيرة التي تعالجها “معًا” ضدّ المؤسّسات المسؤولة عن نشر شبكة الأمن الاجتماعيّ، وعلى رأسها- مكتب العمل ومؤسّسة التأمين الوطنيّ.

يعمل فرع نقابة العمّال “معًا” في القدس الشرقيّة منذ عام 2000 في مجال تنظيم العمّال وفي مجال تقديم المساندة القانونيّة وتحقيق حقوق السكّان الفلسطينيّين المحتلّين في القدس الشرقيّة، سواء مع المشغّلين الإسرائيليّين أو مع مؤسّسة التأمين الوطنيّ ومكتب العمل. تتابع “معًا” العمليّات الاقتصاديّة- الاجتماعيّة في القدس الشرقيّة من منطلق حرصها على حقوق السكّان وإدراكها بأنّ هذه العمليّات هي من تبعات الوضع السياسيّ.

1. السياسة الحكوميّة

1.1. سياسة المحافظة على أغلبيّة يهوديّة في القدس: الخارطة الهيكليّة “القدس 2000“؛ وخلق أزمة سكن في القدس الشرقيّة

منذ احتلال وضمّ القدس الشرقيّة مع سكّانها الفلسطينيّين عام 1967، تسعى إسرائيل إلى المحافظة على القدس موحّدة ويهوديّة. فقد سبق وأُوصي في الخطّة الشاملة للقدس عام 1968 بتحفيز وتيرة زيادة عدد السكّان اليهود بشكل ملحوظ.

وفي عام 1973 أصدرت رئيسة الحكومة آنذاك، ﭼولدا مئير، أمرًا بتعيين لجنة ﭼفني- لجنة حكوميّة وزاريّة لفحص وتيرة تطوير القدس. أوصت اللجنة بزيادة عدد السكّان اليهود في القدس بنسبة %3.7 حتّى عام 1982، وذلك من أجل المحافظة على العدد النسبيّ للسكّان اليهود في المدينة مقابل السكّان العرب بحيث تبقى النسبة كما كانت عليها في أواخر عام 1972، أي- %73.5 من اليهود وَ %25.5 من العرب. بهذه الطريقة حدّدت اللجنة غاية ديمغرافيّة تحوّلت إلى قرار حكوميّ عادت الحكومات الإسرائيليّة المتتابعة وأقرّته كلّ مرّة من جديد.

في عام 2007 تمّ إقرار الخارطة الهيكليّة “القدس 2000” في اللجنة المحلّيّة للتخطيط والبناء التابعة لبلديّة القدس وحظيت بتوصية بالإيداع. مقابل الزيادة السكّانيّة الفلسطينيّة في المدينة، وضعت الخارطة الهيكليّة هدفًا يقضي بالمحافظة على غاية ديمغرافيّة تبلغ %70 من السكّان اليهود وَ %30 من العرب.

بحسب توقّعات الزيادة السكّانيّة الفلسطينيّة لعام 2030 المعروضة في الخارطة الهيكليّة، هناك حاجة لبناء 34,000 وحدة سكنيّة حتّى ذلك العام في الأحياء الفلسطينيّة. لكن استنادًا إلى الغاية الديمغرافيّة، تقرّر المصادقة على 10,000 وحدة سكنيّة فقط للسكّان الفلسطينيّين حتّى ذلك العام (2030). لم يتمّ إيداع الخارطة الهيكليّة بشكل نهائيّ حتّى الآن، لأسباب من ضمنها الخوف من الآثار السياسيّة المترتّبة على ذلك. إلّا أنّ جمعيّة “عير عميم” أفادت في تقاريرها أنّه في عام 2013 كان هناك نقص بلغ 10,000 وحدة سكنيّة لدى السكّان الفلسطينيّين في المدينة، في حين من المتوقّع أن يزداد هذا النقص بحوالي 1,500 وحدة سكنيّة كلّ عام.

يؤدّي هذا النقص الهائل إلى ارتفاع حادّ في أسعار الشقق في القدس الشرقيّة وإلى بروز أزمة سكن خانقة في الأحياء الفلسطينيّة.

1.2. بناء الجدار العازل

image003

بين السنوات 2003-2006 قامت إسرائيل ببناء الجدار العازل، الذي يمرّ داخل الأحياء الفلسطينيّة في القدس التي ضُمّت لإسرائيل عام 1967. الجدار العازل هو جدار باطون ارتفاعه 8 أمتار، يشكّل عائقًا يفصل الأحياء الفلسطينيّة- كفر عقب وسيمارميس ومخيّم اللاجئين شعفاط وحيّ عناتا الجديد عن التسلسل المدينيّ في القدس. سكن في هذه الأحياء عام 2006 حوالي 60,000 فلسطينيّ.

رغم أنّ الأحياء التي وراء الجدار العازل تقع ضمن حدود بلديّة القدس، إلّا أنّ البلديّة ترفض تزويدها بالخدمات البلديّة الأساسيّة، ومنها خدمات الطوارئ والنظافة والرفاه ومعالجة البنى التحتيّة للمياه والكهرباء، وذلك بذرائع مختلفة، منها صعوبة تخطّي الجدار العازل، والادّعاء بوجود تنظيمات إرهابيّة في هذه الأحياء.

image005

كما أنّ البلديّة لا تقوم بأيّة رقابة على البناء في الأحياء الواقعة وراء الجدار العازل، ممّا يؤدّي إلى استغلال المقاولين الفلسطينيّين ذلك من أجل بناء غير منظّم لبنايات متعدّدة الطوابق (أحيانًا 14 طابقًا) بدون أيّة رقابة هندسيّة وبدون بنًى تحتيّة ملائمة، ومن الممكن أن تتحوّل إلى مصائد موت في هذه المنطقة، التي تهدّدها الهزّات الأرضيّة.

أزمة المياه في هذه الأحياء تعكس الوضع جيّدًا. منذ زمن بعيد يشكو السكّان من ضغط مياه منخفض للغاية وأحيانًا من نقص في المياه يستمرّ لأيّام كثيرة.

ردّ شركة المياه البلديّة “هچيحون” على التماس جمعيّة حقوق المواطن بالنسبة لأزمة المياه في الأحياء الواقعة خلف الجدار العازل يوضّح الوضع في هذه الأحياء. حسب ادّعاء “هچيحون”، تلائم البنى التحتيّة في المخيّم لخدمة 15,000 نسمة فقط، في حين يسكن في مخيّم اللاجئين شعفاط في الوقت الحاضر بين 60 وَ 80 ألف نسمة، معظمهم في بنايات متعدّدة الطوابق، والتي كما أسلفنا تمّ بناؤها بدون مصادقة وتمّ وصلها بشبكة المياه بشكل غير قانونيّ. بهذه الطريقة تستغلّ شركة المياه والبلديّة أيضًا انعدام الرقابة ونتائجها ذريعةً أخرى لرفضها بناء البنى التحتيّة اللازمة، ممّا يؤدّي إلى تفاقم أزمة المياه.

1.3. “خطّة تعزيز الأمن الشخصيّ والتنمية الاقتصاديّة- الاجتماعيّة في القدس لصالح كافّة سكّانها

في 29.6.2014 عشيّة الأحداث الدمويّة التي وقعت في الأحياء الفلسطينيّة، اتّخذت الحكومة الإسرائيليّة قرارًا بشأن “خطّة تعزيز الأمن الشخصيّ والتنمية الاقتصاديّة- الاجتماعيّة في القدس لصالح كافّة سكّانها”، التي تكلفتها 295 مليون شيقل.

إنّ اسم الخطّة لا يعبّر عن مضمونها، فالخطّة لا تتطرّق بتاتًا إلى التنمية، وبالتأكيد لا تشمل كافّة السكّان. يكشف الاطّلاع على تفاصيل الخطّة الأهداف الحقيقيّة التي تقف وراء كلماتها المنمّقة، وهي تلك الأهداف المعلنة بوضوح في مستند الخطّة، وأهمّها- “تعزيز السيادة الإسرائيليّة في مناطق القدس الشرقيّة”.

كما ويمكن التعرّف على الأهداف الحقيقيّة للخطّة من الجهات المسؤولة عن تطبيقها: الوزارة الحكوميّة المسؤولة هي وزارة شؤون القدس والشتات، التي وزيرها رئيس الحزب اليمينيّ “البيت اليهوديّ”، نفتالي بنت، الذي انتُخب استنادًا إلى خطّته السياسيّة القاضية بضمّ الضفّة الغربيّة كلّها إلى إسرائيل؛ ومن أجل تطبيق الخطّة تمّ تعيين الرئيس السابق لجمعيّة “إلعاد”- الجمعيّة التي تهدف إلى تهويد القدس من خلال الاستيطان اليهوديّ في الأحياء الفلسطينيّة، السيّد دڤير كهانا.

كما أنّ توزيع الميزانيّة في هذه الخطّة يشهد على أهدافها. فالخطّة ترصد 95 مليون شيقل لغرض “تعزيز جهود تطبيق القانون الجنائيّ”، إلاّ أنّه يتّضح أنّ %100 من هذا المبلغ سيُخصّص “لتعزيز تطبيق القانون في مخالفات إلقاء الحجارة”، ولن يُخصّص شيقل واحد لتطبيق القانون في المخالفات القوميّة اليهوديّة المتزايدة، التي بلغت أوجها في مقتل الفتى الفلسطينيّ محمّد أبو خضير، ولا في معالجة موجات الجرائم الجنائيّة التي تهدّد المنطقة.

بقيّة الميزانيّة- 200 مليون شيقل، معرَّف في أهداف الخطّة كمصروفات ضروريّة من أجل تحقيق نتائج فعّالة في مجال تطبيق القانون في الجرائم الجنائيّة.

إذًا ما الذي تفتقر له الميزانيّة؟ ميزانيّة التنمية، كما يمكن أن يُستشفّ من اسم الخطّة. يكشف الاطّلاع على تفاصيل الخطّة أنّه من أجل تحقيق هذه الفعّاليّة في مجال تطبيق القانون الجنائيّ في أحداث إلقاء الحجارة، وجدت الحكومة أنّ عليها استثمار مبالغ ضئيلة في التنمية أيضًا، كاستثمار مرافق. هكذا من هذه الـ200 مليون، ستُرصد 100 مليون لتطوير شرقي المدينة. إلاّ أنّ مصروفات التطوير هذه تشمل من ضمن مصروفات أخرى، إضاءة محيط الأماكن المقدّسة اليهوديّة وكاميرات في الشوارع وتجميل واجهة البنايات وغير ذلك من الأمور الجماليّة التي لا تساهم في تحسين الوضع الصعب الذي يعاني منه السكّان الفلسطينيّون.

تقرير المراقبة التي وضعته “عير عميم” يكشف بوضوح كيف أنّ الخطّة تتمحور حول تعزيز المعالم الإسرائيليّة في المدينة. هكذا على سبيل المثال في مجال التربية والتعليم، تدفع الخطّة برنامج امتحانات البچروت على حساب امتحانات التوجيهيّ الفلسطينيّة، لكنّها لا تتطرّق بتاتًا إلى النقص في مئات غرف التدريس في القدس الشرقيّة.

في مجال التشغيل، تقترح الخطّة حلاًّ ظاهريًّا لا غير، فهي ترصد في هذا المجال 47 مليون شيقل من ميزانيّة التنمية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لو أخذت الحكومة على عاتقها المهمّة البسيطة القاضية بمساواة النسبة المئويّة للنساء الفلسطينيّات اللواتي يشاركن في سوق العمل في القدس، التي تبلغ في الوقت الحاضر %14، لنسبة مشاركة النساء العربيّات في إسرائيل في سوق العمل، التي تبلغ اليوم %27، لكان على الحكومة توفير 20,000 مكان عمل وتأهيل 20,000 امرأة- استثمار مليار شيقل في السنة في مخصّصات التأهيل المهنيّ فقط. لذلك من الواضح أنّ استثمار 45 مليون شيقل لمدّة 5 سنوات هو مبلغ لا يفي بالغرض بتاتًا، ولا يمكنه أن يحقّق أيّ تغيير، باستثناء إبراز السيادة الإسرائيليّة.

تتجاهل الخطّة عمليًّا المشاكل الصعبة للغاية التي تزيد من حدّة الوضع الحاليّ وتهدّد مستقبل سكّان القدس الشرقيّة- أزمة السكن الحادّة؛ الأزمة الإنسانيّة في الأحياء التي خلف الجدار العازل والهجرة الكبيرة إلى هذه الأحياء؛ عدم توافر أماكن العمل؛ الفقر والجريمة المتفشّية التي هي نتيجة حتميّة لهذا الوضع.

بانعدام الاستثمار الحقيقيّ في تأهيل وتنمية سوق العمل وفي حلّ أزمة السكن وفي الأضرار الهائلة التي نجمت على أثر بناء الجدار العازل، لا معنى لهذه الخطّة، باستثناء تحقيق هدفها الحقيقيّ- تعزيز السيادة الإسرائيليّة في القدس الشرقيّة ومنع التوصّل إلى أيّ تسوية سياسيّة.

عمليًّا، نتحدّث هنا عن استمراريّة لسياسة انتهجتها الحكومات الإسرائيليّة منذ سنوات طويلة هدفها دفع سكّان القدس الفلسطينيّين إلى ترك المناطق التابعة لبلديّة القدس، وبالتالي تغيير الميزان الديمغرافيّ في المدينة “وتهويدها”.

2. نتائج السياسة

2.1.  مؤشّرات الفقر في القدس الشرقيّة

حسب مؤشّرات الفقر التي تظهر في التقرير السنويّ الصادر عن معهد القدس لبحث إسرائيل لعام 2012، 238,800 نسمة من أصل 300,200 نسمة في القدس الشرقيّة، الذين يشكّلون %77 من السكّان، يتواجدون تحت خطّ الفقر، من بينهم 119,100 طفل.

في السنة نفسها (2012)، بلغ الدخل المتوسّط لهذه الفئة السكّانيّة حوالي 1,410 شيقل للفرد في الشهر، في حين  يقف خطّ الفقر في إسرائيل عند 2,420 شيقل للفرد، أي- فارق نسبته %49.9. لغرض المقارنة، الأجر المتوسّط للعائلة تحت خطّ الفقر في القدس الغربيّة كان أقلّ من دخل خطّ الفقر بـِ %34 فقط.

في السنوات الأخيرة، تزداد حدّة نسبة الفقر: بين سنة 2006 وسنة 2011، طرأ ارتفاع بلغ %10 تقريبًا على نسبة الفقر لدى سكّان القدس الشرقيّة. في الفترة نفسها، نسبة الفقر لدى السكّان اليهود في القدس لم تتغيّر.

من الأسباب المركزيّة للفقر المدقع، تجدر الإشارة إلى النسبة المنخفضة لمشاركة النساء في القدس الشرقيّة في سوق العمل. في عام 2011، %37 فقط من سكّان القدس الشرقيّة شاركوا في سوق العمل- %59 من الرجال وَ %14 فقط من النساء.

كما تجدر الإشارة إلى أنّ ارتفاع نسبة الفقر حدث في فترة إتمام بناء الجدار العازل في القدس. تشهد هذه الحقيقة على التأثير الكبير للجدار العازل على الاقتصاد الفلسطينيّ في القدس، الذي فصل الأحياء الواقعة وراءه فعليًّا عن القرى الفلسطينيّة المحيطة بالقدس خاصّةً وعن الضفّة الغربيّة عامّةً.

2.2. نزوح السكّان الفلسطينيّين إلى الأحياء الواقعة خلف الجدار العازل

أزمة السكن من جهة، ونسبة الفقر الآخذة في الارتفاع من جهة أخرى، تضيّقان على السكّان الفلسطينيّين في القدس، ممّا يضطرّهم للنزوح من أحياء مركز المدينة الفلسطينيّة إلى الأحياء الواقعة وراء الجدار العازل والبحث فيها عن حلول سكنيّة، حتّى ولو كانت تهدّد حياتهم.

وبالفعل تشير معطيات ميزان الهجرة الداخليّة في القدس التي ينشرها معهد القدس لبحث إسرائيل إلى توجّه واضح ودائم لترك أحياء مركز المدينة الفلسطينيّة (حارة المسلمين في القدس القديمة، وادي الجوز، الشيخ جرّاح، شعفاط) وهجرة السكّان الفلسطينيّين إلى الأحياء التي انفصلت بسبب الجدار العازل (كفر عقب ومخيّم شعفاط وعناتا الجديدة). وهذا التوجّه آخذ في الازدياد.

ميزان الهجرة لعام 2011

ميزان الهجرة لعام 2012

الأحياء التي طرأت فيها هجرة موجبة (زائد العدد التقديريّ للسكّان الذين انضمّوا)

الأحياء التي طرأت فيها هجرة موجبة (زائد العدد التقديريّ للسكّان الذين انضمّوا)

كفر عقب – وراء الجدار العازل (1060 نسمة)

كفر عقب – وراء الجدار العازل (1,220 نسمة)

مخيّم اللاجئين شعفاط- وراء الجدار العازل (690 نسمة)

مخيّم اللاجئين شعفاط- وراء الجدار العازل (560 نسمة)

عناتا الجديدة- وراء الجدار العازل (360 نسمة)

عناتا الجديدة- وراء الجدار العازل (310 نسمة)

مجموع عدد السكّان الذين انتقلوا إلى الأحياء التي خارج الجدار العازل- 2،110

مجموع عدد السكّان الذين تركوا الأحياء التي داخل الجدار العازل – 2090

مجمل ميزان الهجرة من الأحياء التي داخل الجدار العازل إلى الأحياء التي خارج الجدار العازل عام 2011(عدد السكّان الذين تركوا الحي)

مجمل ميزان الهجرة من الأحياء التي داخل الجدار العازل إلى الأحياء التي خارج الجدار العازل عام 2011-(عدد السكّان الذين تركوا الحي)

البلدة القديمة 1240 نسمة

البلدة القديمة 1630 نسمة

وادي الجوز والشيخ جرّاح- (430 نسمة)

وادي الجوز والشيخ جرّاح- (360 نسمة)

شعفاط- (360 نسمة)

شعفاط- (440 نسمة)

المجموع 2,030

المجموع 2430

يلخّص هذا الميزان معطيات الهجرة الداخليّة للسكّان الفلسطينيّين في القدس كما وردت في التقارير السنويّة الصادرة عن معهد القدس لبحث إسرائيل التي نُشرت عام 2014 وعام 2013.

من الواضح أنّ الهجرة المكثّفة تحفّز البناء غير المنظّم والانهيار التامّ للبنى التحتيّة في المنطقة؛ ومن جهة أخرى تؤدّي إلى انهيار اجتماعيّ ينعكس في ارتفاع حادّ في أحداث الجريمة الصعبة- السطو المسلّح والقتل وتجارة المخدّرات وما شابه. وهذه الأحداث لا تحظى بأيّ معالجة من جانب بلديّة القدس ومؤسسات الرفاه والتعليم والشرطة، وفي أغلب الأحيان لا تتمّ تغطيتها في وسائل الإعلام الإسرائيليّة. هذه الأحداث، كما أسلفنا، لا تحظى أيضًا لردّ في إطار الخطّة الحكوميّة الجديدة.

image008

مخيّم اللاجئين شعفاط 2014. معسكر لاجئين يعاني من إهمال السلطات

2.3. تضعضع المكانة المدنيّة للسكّان للفلسطينيّين في الأحياء الواقعة خلف الجدار العازل

مكانة السكّان الفلسطينيّين في القدس الشرقيّة هي مكانة مؤقّتة، وتتعلّق بمكان السكن وبمحور حياة السكّان. ينبغي على السكّان أن يثبتوا بأنّهم يسكنون في إسرائيل، وبالإضافة إلى ذلك عليهم تقديم إثباتات بأنّهم يستهلكون في إسرائيل الخدمات الصحّيّة والتعليم وخدمات بلديّة أخرى؛ ويكسبون رزقهم في إسرائيل ويدفعون الضرائب فيها.

يكتشف السكّان كثيرًا أنّ سلطات وزارة الداخليّة أو مؤسّسة التأمين الوطنيّ تشكّك في مكانتهم المدنيّة. هذا الإجراء ذو أهمّيّة كبرى لأنّ بسببه يمكن التوقّف عن توفير خدمات الرفاه واستحقاق مخصّصات التأمين الوطنيّ والحقّ في التأمين الصحّيّ، وحتّى منع مكوثهم في حدود دولة إسرائيل، بما في ذلك مناطق القدس الشرقيّة.

على أثر النقص في الخدمات البلديّة في المناطق الواقعة وراء الجدار العازل مثل الخدمات الصحّيّة والتعليم والمياه والكهرباء وغيرها، يجد السكّان صعوبة في تقديم إثباتات (فواتير مياه وكهرباء وشهادات مدرسيّة وتسجيل لرياض الأطفال) تشهد على أنّ محور حياتهم هو داخل القدس وليس في الضفّة الغربيّة.

بالإضافة إلى ذلك، من أجل الدخول من الأحياء التي تقع خلف الجدار إلى المدينة نفسها، يجب على السكّان المرور عبر حاجز عسكريّ، الأمر الذي يجعل الدخول إلى إسرائيل رحلة طويلة يمكن أن تستغرق ساعات طويلة. يعتبر هذا الأمر صعبًا على وجه الخصوص لسكّان كفر عقب الذين يضطرّون للدخول إلى القدس عن طريق حاجز قلنديا- الحاجز الذي يشكّل محور تنقّل مركزيًّا لعشرات آلاف العمّال الفلسطينيّين الذين لديهم تراخيص عمل ودخول إلى إسرائيل، والذين يصلون من أنحاء الضفّة الغربيّة للعمل في إسرائيل، وهذا الحاجز معروف بسوء الازدحامات المروريّة الصعبة فيه وبالفحوص الأمنيّة التي يضطرّ الفلسطينيّون الذين يرغبون في العمل أن يمرّوا بها.

يصعّب هذا الوضع على سكّان هذه الأحياء المثول في خدمات الرفاه (مؤسّسة التأمين الوطنيّ ومكتب العمل) من أجل تحقيق حقوقهم في المخصّصات، والأسوأ من ذلك- يصعّب ذلك عليهم إرسال أبنائهم للدراسة في المدارس الواقعة في مناطق بلديّة القدس، وتصعّب عليهم العمل في إسرائيل، ويضطرّون للبحث عن حلول في الجانب الآخر من الجدار العازل. وبهذه الطريقة يجد الكثير من السكّان صعوبة في العيش في إسرائيل ويفقدون مكانتهم المدنيّة وحقّهم في المكوث في القدس؛ المدينة التي ولدوا فيها.

بالإضافة إلى خطر فقدان المكانة المدنيّة للسكّان الذين يسكنون خلف الجدار العازل، هناك تصوّر آخر يؤدّي في حالة تنفيذه إلى إساءة واضحة في مكانة سكان هذه الأحياء وهو تصوّر إلغاء السيادة الإسرائيليّة في الأحياء الواقعة خلف الجدار العازل ونقلها إلى الإدارة المدنيّة التابعة للاحتلال مع كافّة سكّانها بقرار أحاديّ الجانب الذي يسلب منهم بين ليلة وضحاها حرّيّة الدخول إلى القدس وإلى إسرائيل.

هذه النيّة بالقيام بمثل هذه الخطوة صدرت عن إيهود أولمرت، عندما شغل منصب رئيس الحكومة، وصدرت أيضًا عدّة مرّات عن نير بركات، رئيس البلديّة الحاليّ. في حال تنفيذ هذه الخطّة من جانب واحد وليس في إطار اتّفاقيّة توفّر حلاًّ سياسيًّا شاملاً، سيؤدّي ذلك إلى إلغاء المكانة المدنيّة لجميع سكّان هذه الأحياء، وبذلك إلى طرد عشرات آلاف الفلسطينيّين من القدس.

3. مؤسّسة التأمين الوطنيّ ومكتب العمل كوسيلة لتطبيق السياسات     

لمؤسّسة التأمين الوطنيّ ولمكتب العمل وظيفة هامّة في الحدّ من تفاقم الفقر وفي الحماية الاقتصاديّة أثناء البطالة وحوادث العمل وغير ذلك. لكن كما سيتمّ وصفه في هذا القسم من التقرير، فإنّ تصرّفات مؤسّسة التأمين الوطنيّ ومكتب العمل يمكن اعتبارها جزءًا من سياسة إقصاء السكّان الفلسطينيّين إلى ما خلف الجدار العازل.

3.1. مقدّمة- مكاتب عمل منفصلة لسكّان القدس الشرقيّة ولسكّان القدس الغربيّة

من المهمّ في البداية الإشارة إلى أنّ لمؤسّسة التأمين الوطنيّ ولمكتب العمل أيضًا مكتبين منفصلين لسكّان القدس الشرقيّة ولسكّان القدس الغربيّة. تكشف معالجة الشكاوى التي تصل إلى “معًا” عن أنّ المكاتب في القدس الشرقيّة تعمل بموجب إجراءات تختلف عن تلك التي في مكاتب البلاد وبضمنها القدس الغربيّة خاصّةً.

دلالة هذه التصرّفات المخالفة للإجراءات هي مزدوجة- النتيجة المباشرة هي رفض الشكاوى المقدَّمة. النتيجة المرافقة هي الإحساس لدى السكّان الفلسطينيّين بأنّه لا جدوى من التوجّه إلى هذه المؤسّسات، فشكاواهم مرفوضة مسبقًا. ثبتت صحّة هذا الإحساس من مندوب مكتب العمل الذي أبلغ ممثّل “معًا” أنّ لجنة الاستئنافات في مكتب العمل رفضت %100 من الاستئنافات التي قدّمها طالبو العمل عام 2013.

حسب معطيات مؤسّسة التأمين الوطنيّ، في سنة 2012، %5.75 من أصل 41,000 العائلات التي تحت خطّ الفقر في القدس الشرقيّة حصلت على مخصّصات ضمان دخل. للمقارنة- %9.22 من أصل 31,000 العائلات اليهوديّة في القدس الغربيّة حصلت على مخصّصات ضمان الدخل في تلك السنة. هذه الأمور حادّة بشكل خاصّ على ضوء المعطيات التي تفيد بأنّ الأجر المتوسّط للعائلات التي تحت خطّ الفقر في القدس الشرقيّة أقلّ بكثير من الأجر المتوسّط للعائلات التي تحت خطّ الفقر في القدس الغربيّة.

الشهادات التي تصلنا والشكاوى التي تعالجها “معًا” توضّح الأسباب التي تؤدّي إلى هذه الفجوات.

3.2. أمثلة لشكاوى عالجتها “معًا” مع مؤسّسة التأمين الوطنيّ ومكتب العمل

3.2.1. خلفيّة

من أجل تقديم طلب للحصول على ضمان الدخل أو مخصّصات بطالة إلى مؤسّسة التأمين الوطنيّ، يجب على مقدّم الطلب المثول في مكتب العمل، كي يقوم المكتب بإرساله إلى أعمال تناسبه. بموجب إجراءات مكتب العمل، يتوجّب على مكتب العمل تسجيل مثول طالب العمل، حتّى وإن كان ذلك قبل تقديم طلبه إلى مؤسّسة التأمين الوطنيّ.

يجب على طالب العمل الحضور إلى كلّ مقابلة عمل تمّ توجيهه إليها. رفضُ الباحث عن عمل العملَ في عمل ملائم اقتُرح عليه يؤدّي إلى سلب حقّه في المخصّصات لمدّة شهرين. بسبب إشكاليّة سلب المخصّصات (خاصّةً في حالات سلب مخصّصات ضمان الدخل التي تعتبر مخصّصات لعيش أدنى بكرامة) تمّ تحديد إجراءات لتسجيل الرفض، تشمل من ضمن أمور أخرى، واجب تسجيل الرفض كتابيًّا من جانب الموظّف وإبلاغ طالب العمل بشأن التسجيل والتعليل وحقّ الاستئناف أيضًا.

يجدر ذكره أيضًا أنّه عندما يقدّم الشخص طلبًا إلى مؤسّسة التأمين الوطنيّ، يجب عليه الحصول على مصادقة على تقديم الطلب والمستندات.

3.2.2 عدم استلام مستندات من قِبل مؤسّسة التأمين الوطنيّ

في 1.12.2013 قدّمت السيّدة تحرير شقيرات طلبًا لضمان الدخل في مكاتب مؤسّسة التأمين الوطنيّ. قدّمت السيّدة شقيرات أيضًا مستندات تثبت أنّ زوجها مسجون- مستندات تعفيه من المثول في مكتب العمل.

رفضت مؤسّسة التأمين الوطنيّ منحها مصادقة على استلام المستندات، وادّعت لاحقًا أنّها لم تتلقّ بتاتًا مثل هذه المستندات. وبما أنّه لم يكن بحوزة السيّدة تحرير شقيرات مصادقة على تقديم المستندات، اضطرّت لتقديمها مرّة ثانية، لكنّها في هذه المرّة أيضًا لم تتلقّ مصادقة على تقديمها، وهكذا دواليك.

في شهر تمّوز اكتشف عمر وتحرير شقيرات أنّ طلبهما قد رُفض بادّعاء عدم مثول السيّد عمر شقيرات في مكتب العمل كما يجب، بحيث تجاهلت مؤسّسة التأمين الوطنيّ المستندات التي قُدمّت لها مرّات كثيرة والتي تعفيه من المثول.

وفقط في أعقاب تدخّل “معًا” صادقت مؤسّسة التأمين الوطنيّ على استلام المستندات وعلى دفع مخصّصات ضمان الدخل لهما في 25.6.2014-  بعد سبعة أشهر من تقديم الطلب.

image012

استقبال الجمهور في مكتب “معًا” في القدس الشرقيّة

3.2.3 رفض طلب وتعامل مهين للمؤمّنين في مؤسّسة التأمين الوطنيّ، ورفض تسجيل المطالبين في مكتب العمل

في 2.3.2014 قدّمت السيّدة نجاة شاهين طلبًا لضمان الدخل في مؤسّسة التأمين الوطنيّ. وقد ذهلت نجاة حين رأت الموظّفة تمزّق استمارة الطلب أمامها، مع المستندات المرفقة، بادّعاء (غير صحيح) أنّ الاستمارة ليست الاستمارة الصحيحة؛ وألقت بالمستندات في سلّة المهملات، وبالطبع رفضت منحها مصادقة على تقديم الطلب.

بعد مرور أيّام، توجّه منير ونجاة شاهين إلى مكتب العمل، حيث رفض موظّفو المكتب استقبالهما ومنحهما مصادقة على الحضور بادّعاء أنّ ذلك يستدعي مصادقة على تقديم طلب لمؤسّسة التأمين الوطنيّ.

من الجدير التأكيد أنّ المؤسّستين عملتا هنا بخلاف الإجراءات المفروضة عليهما في القانون- الأولى عند رفضها استلام الطلب ومنح مصادقة على استلامه. والثانية عند رفضها استقبال طالبي العمل بادّعاء أنّ ذلك يستدعي مصادقة على تقديم الطلب. هذا مثال للفوارق في الإجراءات بالمقارنة مع المكاتب الأخرى في البلاد، وللطريقة التي تعمل بهما المؤسّستان من أجل رفض الطلب وعدم دفع المخصّصات.

Share this:
Share this page via Email Share this page via Stumble Upon Share this page via Digg this Share this page via Facebook Share this page via Twitter

עמודים: 1 2