رؤية معًا – نقابة عمالية لمواجهة أزمة وباء كورونا والكارثة الاقتصادية.

نحو شراكة فلسطينية-إسرائيلية.

تشرين ثان (أكتوبر)  2020

غيرت أزمة وباء كورونا (كوفيد-19) ملامح الحياة لدى الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، كونها أزمة كونية هزت أسس الاقتصاد والسياسة بشكل غير مسبوق. فما كان مقبولاً أو دارجاً قبل كورونا لم يعد ممكناً أو مسموحاً به بعد تفشي الوباء. وإن التصور الدارج للسلام الإسرائيلي “الدعوة إلى حل الدولتين” تقادم عليه الزمان وبات من الماضي.  

إن الهزة الأرضية التي سببها الوباء تحتم علينا في “معًا – نقابة عمالية” العمالية بلورة رؤية اقتصادية واجتماعية جديدة، علماً بأننا نرى “معًا – نقابة عمالية” كفاعل حيوي وشريك لكل حركة تقدمية ونيرة في المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني بهدف بناء مجتمع متساوٍ وأخضر يضمن الحياة الكريمة للجميع.

وبما أن هناك نقابات عمالية وحركات اجتماعية وخضراء في كافة أنحاء العالم، تجري في هذه الأيام حوار حول ماهية النظام الجديد والمطلوب لإنقاذ البشرية من الأزمة الكونية، فنحن في “معًا – نقابة عمالية” نرى أنفسنا جزءاً من هذا التيار العالمي الذي يتبنى شعارات حركة “حياة السود لها قيمة” في الولايات المتحدة، والحراك الشبابي الذي بدأ عام 2011 في الربيع العربي ولا يزال مستمر في لبنان والعراق والسودان والجزائر ومصر.     

إن المبادئ الأساسية للرؤية التي نعتبرها بمثابة البوصلة لبناء نقابة عمالية ذات توجه اجتماعي وسياسي تقدمي في الظروف الراهنة، تنطلق من فرضية أن إسرائيل وفلسطين تشكلان وحدة جغرافية واقتصادية وصحية وسياسية واحدة، ولا يمكن محاربة وباء كورونا في المناطق الفلسطينية من دون محاربته في إسرائيل، كون المجتمعان يعيشان تحت سقف واحد ولا يمكن الفصل بينهما.

أزمة كونية عميقة وغير مسبوقة

  1. دولة إسرائيل التي افتخرت بأنها “أمّة الستارت آب” التكنولوجية أتضح خلال مواجهتها للوباء بأنها غير مؤهلة للوظيفة الأساسية والأولى التي تقع على عاتق الدولة – في الحفاظ على حياة مواطنيها. وبسبب اعتمادها منذ عقود النظام الرأسمالي النيو ليبرالي الأمر الذي أدى لإهمال الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة للخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والرفاه والمواصلات والبنية التحتية وإلى تدهور مجتمعي خطير تبيّن خلال أزمة كورونا بكل خطورته.
  2. غياب التخطيط طويل الأمد ظهر من خلال اعتماد إسرائيل المطلق على مصادر الطاقة الأحفورية. وبخصوص الانتقال للاعتماد على الطاقة المتجددة تعتبر إسرائيل متأخرة عن أغلب بلدان منظمة OECD، ولم تكلف نفسها بإجراء التعديلات الضرورية لمواجهة أزمة المناخ. كما لم يكن هناك أي مخطط لجعل الاقتصاد الإسرائيلي يتماشى مع احتياجات الثورة الصناعية الرابعة، وما الأزمة الخطيرة التي يواجهها الجهاز الصحي اليوم إلا انعكاس لهذا الخلل الأساسي.  
  3. في حين وصلت نسبة البطالة نتيجة أزمة وباء كورونا في إسرائيل إلى أكثر من 25%، حيث فقد مليون عامل مكان عمله، إضافة إلى مئات آلاف المستقلين وأصحاب المشاغل الصغيرة الذين لا يملكون أي ضمانات اجتماعية. وتستمر الحكومة الإسرائيلية الحالية بقيادة نتنياهو وغانتس بانتهاج النمط الرأسمالي النيو ليبرالي الساعي إلى تقليص الجهاز الحكومي والموازنة العامة.
  4. السلطة الفلسطينية، بدورها، أثبتت خلال الأزمة الأخيرة، بأنها ليست مؤهلة للاهتمام في سلامة مواطنيها ورفاهيتهم. وقد كشفت الأزمة أن سلطتي فتح في الضفة الغربية وحماس في غزة ليست لهما المقومات لبناء نظام سياسي واقتصادي فلسطيني مستقل.
  5. مناطق السلطة الفلسطينية بقيت خاضعة تماماً لإسرائيل، بينما بقيت الفجوة بين الاقتصادين الإسرائيلي والفلسطيني عميقة جدا. فالناتج القومي للفرد في مناطق السلطة الفلسطينية هو تقريبا 4000 دولار في السنة مقابل نحو 41000 دولار في إسرائيل، حيث يعيش الكيان الفلسطيني تحت سيطرة إسرائيلية كاملة وهناك عملة واحدة ونظام جمركي وسيطرة كاملة على موارد المواد الخام والتصدير الفلسطينية من قبل سلطات الاحتلال.
  6. الطبقة العاملة الفلسطينية تشكل الأغلبية الساحقة من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة ويدخل أكثر من 150 ألف عامل فلسطيني الذين يعملون داخل إسرائيل ما يعادل 13% من الناتج الإجمالي الفلسطيني. هؤلاء العمال أجبروا على البقاء في بيوتهم نتيجة سياسات الإغلاق في ظل ظروف لا تطاق ومن دون مصدر رزق يسد الرمق.
  7. إغلاق الاقتصاد ووقف النشاط التعليمي والاجتماعي لا يمكن أن يكونا الحل. وإذا كانت السلطات في إسرائيل وفلسطين قد فرضت الإغلاق على كافة مجالات الحياة خلال المرحلة الأولى، وتمكنت مرحلياً، من التغلب على الأزمة بفرض حازم للحجر الصحي، فقد تبين بأن الإغلاق قد يكون وصفة للدمار الاقتصادي. وإن انتشار الوباء من جديد في شهر تموز/يوليو 2020 يؤكد الحاجة الماسة لتخطيط مشترك وتطوير شبكة من البنية التحتية الاقتصادية والصحية، التي تخدم الجميع وتمنح المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي القدرة على مواجهة الأزمة المستفحلة.

معاً ضد نظام الأبرتهايد الإسرائيلي وقمع الحريات في مناطق السلطة الفلسطينية

  • البديل للنظام الأبرتهايد الإسرائيلي، الذي يمارس الظلم بحق الشعب الفلسطيني ويمارس بحقه التفرقة العنصرية ويولد حروب وعنف يومياً، هو نظام جديد مبني على الشراكة المتساوية بين الإسرائيليين والفلسطينيين وضمان الديمقراطية والحرية والمساواة للجميع من دون تمييز على أساس قومي أو ديني أو جنسي. ومن أجل إحداث هذا التحول الجذري المطلوب يجب على الإسرائيليين والفلسطينيين محاربة الميل إلى الانغلاق، وتعزيز الدفاع عن حرية الرأي والفكر.
  • الحملة التي يقودها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ضد جهاز القضاء والصحافة، وتحريضه العنصري الفظ ضد العرب يعكسان ما يقوم به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من حملة شعواء ضد معارضيه الذين يصفهم بـ “خونة وإرهابيين”. وينتمي نتنياهو إلى معسكر اليمين العالمي الذي يضم جونسون وبوتين وأردوغان وأوربان وغيرهم، ويمكن أن نرى بأن خطته لضم الضفة الغربية تعكس طبيعة نهجه المغامر والمدمر. وسعياً منه لسحق المعارضين اعتمد نتنياهو حملة تحريض عنصري سافرة ضد الأحزاب العربية الممثلة في الكنيست بهدف القضاء على أية معارضة له في الجهاز الحكومي أو التشريعي.
  • سلطتا فتح وحماس، بدورهما، تسيطران على مواطنيها عبر نظام قمعي فاسد يخدم فقط الشلة المقربة من القيادات ويمنع أي نقاش أو نقد. وقد تعرض المعارضون لنظام حماس وخاصة ناشطي حركة “بدنا نعيش” الشعبية لقمع وحشي وتعذيب، بينما أغلقت سلطة رام الله المواقع الالكترونية وحبست المعارضين بما فيهم ناشطي حملة “الحراك الفلسطيني الموحد” بسبب معارضتهم للفساد ولخطة “الضمان الاجتماعي”. كلا السلطتان في رام الله وغزة تستفيدان منذ 14 سنة من تأجيل الانتخابات وتحافظان على تقاسم السيطرة على الشعب بينهما.

المطلوب هو نهج اقتصادي سياسي جديد مبني على شراكة إسرائيلية فلسطينية 

  1. مبادئ الاقتصاد الأخضر المبني على شراكة متساوية تتطلب صياغة جديدة للفرضية السياسية والاجتماعية التي من شأنها ضمان الأمن والحياة الكريمة لنحو 15 مليون إسرائيلي وفلسطيني يعيشون بين البحر والنهر. معًا – نقابة عمالية التي تضم في صفوفها عاملين إسرائيليين وفلسطينيين تشارك في النقاش والمعركة لتطوير تصور جديد يعتمد على المساواة والشراكة بين الشعبين، وهذه الرؤية يجب أن تحل محل الأفكار البالية التي تبنت مبدأ الانفصال والانغلاق القومي.  
  2. الثورة الصناعية الرابعة التي يمر بها  العالم تقلب كل المفاهيم والمعتقدات، بوتيرة متسارعة، الأمر الذي يشكل تحد كبير للحركات النقابية. إن الثورة المعلوماتية المؤسسة على الذكاء الصناعي والروبوت قد خلفت الصناعة القديمة، المبنية على الاعتماد على خطوط الإنتاج والايدي العاملة. ويؤدي هذا التطور أدى إلى فقدان مستمر لفرص العمل في الاقتصاد التقليدي، بينما سيطرت على السوق العالمي شركات المنصات العملاقة مثل، ميكروسوفت وغوغل وفيسبوك وأمازون وآبل، التي تتمتع بنفوذ احتكاري وتفرض على الحكومات سياسات مخالفة لمصلحة الجمهور وتتجاهل تماماً الرغبة الجماهيرية المتمثلة بالبرلمانات والسلطة المنتخبة.
  3. فقدان الطبقة العمالية لدورها في الغرب وضعف النقابات الذي سببته عولمة الاقتصاد دفع عدد كبير من أبناء الطبقة العاملة، الذين كانوا خلال أكثر من قرن ونصف قاعدة اليسار الاجتماعية، إلى حالة من الضياع واليأس. كما أن قسم من هؤلاء العمال المفصولين من أماكن عملهم التاريخية يشعرون بأن العولمة قد سحقتهم، لذا نراهم اليوم ينساقون نحو مواقف قومية وعنصرية، الامر الذي قلب المعادلة في بريطانيا لصالح خيار البريكست، وفتح الطريق أمام ترامب للوصول إلى البيت الأبيض.
  4. خلال الفترة الماضية إسمتد نتنياهو  قوته من صعود تيار اليمين الشعبوي في العالم، لكنه يواجه اليوم مثل زملائه في أمريكا والبرازيل أزمة خطيرة تكشف إفلاس المعتقدات الأساسية لهذا التيار.  وطالما تستمر القيادة الإسرائيلية بضخ الملايين لميزانية الجيش لكي يستمر في سياسة الحرب الوهمية ضد إيران واحتلال الشعب الفلسطيني، وطالما تسعى السياسة الحكومية إلى تسهيل الأمور للقطاع الخاص والاحتكارات ستبقى إسرائيل غير مؤهلة لمواجهة الأزمة الخطيرة.
  5. إن الأمر الأهم والمُلح اليوم الذي يقع على عاتق حكومات في العالم، وكذلك في إسرائيل، هو ضرورة إحداث أماكن عمل حقيقية ومنتجة، بدل مراعاة رأس المال الذي ينشغل في المضاربات في البورصة من دون الاكتراث في مصير العمال. ويجب الاستثمار في البنية التحتية مثل شبكة المواصلات والقطارات والميترو والإنترنيت، إلى جانب الحاجة في بناء مستشفيات وغرف تدريسية إضافية، والتي باتت ضرورية من أجل تمكين الطلاب الاستمرار في الدراسة في بيئة صحية، وليس في غرف تتكظ بـ 40 طالب، وكذلك يجب الإستثمار ببرامج التأهيل المهني مما يسهل إعادة العاملين الى وظائف مطلوبة. واضح مثلا بانه زيادة الاعتناء بمجالات الرفاه والشيخوخة والصحة النفسية بإمكانها ان تسمح بإستيعاب العديد من الناس الذين فقدوا مصدر رزقهم في الأزمة.
  6. وبالنسبة لمجال الطاقة يتوجب على إسرائيل أن تتخلى عن الرهان على الغاز وتتبني الطاقة المتجددة وتحديداً الطاقة الشمسية التي ستزيد الإنتاجية، وتمنع تلوث البيئة وتساهم بشكل كبير في السعي العالمي لمنع الاحتباس الحراري. فإسرائيل متخلفة في مجال الطاقة، ولا تنتج سوى7% فقط من الطاقة مصدرها من الشمس. وإن سياسة تفضيل الاحتكارات الكبيرة في مجال إنتاج الغاز تسبب بأضرار بيئية كبيرة وتمنع ارتفاع الانتاجية.
  7. يعتبر وباء كورونا بمثابة نقوس خطر لمستقبل الإنسانية، ودليل إضافي للضرر المستمر بحق الطبيعة وتقليص مناطق الحياة البرية للحيوانات، ما سهل انتقال الفيروسات من الحيوانات إلى الإنسان، إذ لا بد من تغيير نمط الحياة والاستهلاك غير المحدود وتقليل سياسة إهدار الموارد من أجل حماية صحة المجتمع ومستقبل الكرة الأرضية.
  8. إن النظام الديمقراطي، الذي يضمن حقوق المواطنين من دون تفرقة أو تمييز، يتطلب اندماج المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني. وبينما يسعى اليمين الإسرائيلي إلى فرض نظام الأبرتهايد وضم المستوطنات لإسرائيل من دون الاعتراف بحق الفلسطينيين الطبيعي في التمتع بحقوق مدنية وسياسية، نراه (اليمين) أيضاً يسنّ قانون القومية – القانون الذي رسخ يهودية الدولة وحوّل المواطنين العرب إلى مواطنين من الدرجة الثانية.
  9. آن الأوان لطي صفحة “اتفاق أوسلو”، الموقع في 1993، والذي كان الأساس لتشكيل السلطة الفلسطينية الهزيلة، التي أشرفت على دفن الأمل بالاستقلال الفلسطيني. إن السلطة الفلسطينية من ناحية، وحركة حماس من ناحية أخرى، اثبتتا فشلهما في بناء أسس لدولة ديمقراطية متطورة وذات قدرة على النمو الاقتصادي، وكل ما نتج عن هذا النظام هو سيطرة سلطتين ديكتاتوريتين لا تحترمان القانون ومصابتان بالفساد.
  10. إننا في “معًا – نقابة عمالية” نضم صوتنا لكل القوى والحركات التي تنادي في بناء مجتمع مشترك خال من التطرف القومي والديني سواء في الجانب الإسرائيلي أو في الجانب الفلسطيني. دولة من هذا النوع ستكون مكاناً يليق به الحياة، وهدفاً نبيلًا يستحق أن نناضل من أجله.   
Share this:
Share this page via Email Share this page via Stumble Upon Share this page via Digg this Share this page via Facebook Share this page via Twitter