“العمل الأسود” هو مؤتمر لم يسبق أن عُقد مثيل له في إسرائيل. في مساء يوم الثلاثاء 4 كانون ثان، تدفّق إلى مسرح “عنبال” في مركز “سوزان دلال” بتل أبيب أكثر من 150 امرأة من الجليل والمثلّث والنقب، لمناقشة مكانتهنّ كعاملات في أسفل السلّم الاجتماعي. عندما صعدت إلى المنصّة ممثّلات هؤلاء العاملات كان من الواضح بأنّ هذا المؤتمر تعدّى كونه مؤتمرًا أكاديميًا كما هو معتاد في موضوع تشغيل النساء.
عاملات زراعة عربيات من المثلّث، وصل بعضهن مباشرةً بعد يوم عمل شاقّ في الزراعة، عاملات بأعمال يدوية من أصل أثيوبي من كريات چات، صانعات سلال من الجليل، عاملات أجنبيات من جنوب شرق آسيا، نساء من سكّان القرى غير المعترف بها في النقب، ونشيطات اجتماعيات، أتين للتعبير عن جمهور كبير من النساء العاملات في الأعمال البدنية الصعبة، والتي لا تحظى بأكثر من الأجر الأدنى وأحيانا اقل منه، وكانت وقفتهن قويّة ومعزّزة وثابتة.
بادر إلى عقد هذا المؤتمر “الائتلاف النسائي من أجل العمل العادل”، كاستمرار للمسيرة التي بدأت بمظاهرة يوم المرأة العالمي سنة 2010. من بين المنظّمات التي تشارك في هذا الائتلاف: “منتدى نقابة معًا النسائي”؛ حركة أختي- من أجل النساء في إسرائيل”؛ مركز مساعدة العمّال الأجانب؛ صوت المرأة- مركز نسائي مناصر للنساء متعدّد الثقافات؛ البرلمان النسائي؛ أنوار- قيادة نسائية يهودية عربية؛ جمعية سنديانة الجليل للتجارة العادلة؛ مركز أهاتا؛ نساء يطبخن- المطبخ الجماهيري.
النشيطة النسوية إستر عيلام من منظّمة “أختي” والنقابية أسماء إغبارية- زحالقة من نقابة العمّال معًا تولّتا عرافة المؤتمر، مهمّة ليست سهلة؛ إذ ينبغي التعامل مع أربع لغات في آن واحد.
ساد الصمت في القاعة عندما تساءلت أسماء إغبارية: “ماذا أقصد عندما أقول “عمل اسود”؟ وأجابت: “أقصد العمل الصامت، ذلك الشيء الذي يحدث في مكان ما في الهوامش، حيث يعمل بصمت، رجال ونساء، كثيرون كثيرون، ينظفون، يغيرون الحفاظات، يزرعون، يقطفون، يطبخون، ينسجون، يحفرون، يبنون قاعدة الهرم الاجتماعي. هناك في الهوامش، حيث نجر الايام والشهور، وسنوات العمر كله. بلا أجر ملائم، بلا حقوق وبلا اعتبار لكرامتنا”.
إحدى المتحدثات كانت النقابية في معا وفاء طيّارة. مسار حياة وفاء ليس عاديًّا، فقد بدأت العمل بالزراعة على أثر الأزمة الاقتصادية التي ألمّت بأسرتها. عملت وفاء في البداية في الزراعة عن طريق مقاول انتهك حقوقها بالعمل وحقوق زميلاتها. عندما سمعت عن مشروع تشغيل النساء التي تبادر إليه معًا كانت أوّل المنضمّين. “عندما بدأت تلقي كامل حقوقي وأجري، دون التنازل عن ثلث حقوقي للمقاول، توقفت عن الشعور بأنني عاملة في “عمل أسود”، قالت وفاء للحضور، وأضافت: “ظروف الاستغلال هي التي تجعل العمل أسود، حتى لو تم في غرف مكيّفة. خروجي للعمل كان نقطة تحول في حياتي، وكنت عندها قد اصبحت اما لأربعة أولاد”.
اليوم تدير وفاء، باسم نقابة معًا، مشروعا لتشغيل النساء في منطقة المثلّث، وليس صدفة أنّ النساء يعتبرنها واحدة منهنّ. عندما يتحدّثن عن الصعوبات التي تصادفهنّ، فإنّها تدرك تمامًا ما يقلن. حدّثت وفاء النساء في المؤتمر عن لقاءات التعزيز التي تنظّمها النقابة وبيّنت أهمّيتها: “إننا نناقش مع النساء سبل إقناع افراد العائلة بتقاسم مهام البيت، إدارة الحوار داخل العائلة وفي مكان العمل. إننا نتعلم كيف ننظر الى انفسنا بشكل مختلف. فجأة وجدنا اننا بلا وعي كنا نقمع بناتنا ونكرس نفس اساليب القمع التي مورست ضدنا وعانينا منها. إشراك الأخريات بالتجارب الشخصية للعاملات يرافقه الضحك وأحيانا البكاء. على هذا النحو نخلق التضامن بيننا ونقوي انفسنا. في نفس دورات التمكين ندرك حقوقنا كعاملات، وكيفية مواجهة السياسة الاقتصادية الظالمة التي تمارسها الحكومة ضدنا وكذلك مواجهة لوبي المزارعين المعني بمواصلة استعباد العمال الأجانب وإبقائنا خارج العمل، وكيفية الوصول الى الرأي العام”.
برز صوت آخر في المؤتمر، وكان ذلك صوت العاملة من نبال أمبيكا تشهتاري، معلّمة سابقة وتعمل اليوم في رعاية العجزة، وهي من المبادرين إلى تشكيل لجنة عمّال مساعدة العجزة التابعين لجمهور العمّال النباليين في إسرائيل.
“اسمي أمبيكا تشهتاري. عمري 37 سنة. جئت من نبال وأعمل على رعاية عجوز في ملجأ للعجزة في تل أبيب. قبل ثلاث سنوات تركت والدتي وولديَّ، اللذين لن أعرفهما بعد عودتي إلى البيت بسبب التغيير الكبير الذي يطرأ عليهما في هذه السن الصغيرة. “قبل بضعة أشهر، عُقد في تل أبيب مؤتمر شارك فيه الكثير من الوجهاء . تناول المؤتمر قضايا العمّال الأجانب. من بين الوجهاء الذين شاركوا في المؤتمر: ممثّلو الحكومة والتأمين الوطني وقضاة وأعضاء كنيست وبروفسورات وقادة الهستدروت، وقد نسوا دعوتنا، ممثّلي العمّال الأجانب الذي يتناول المؤتمر قضاياهم، لكنّنا في هذا المؤتمر نصحّح ذلك.
“في هذه الأيّام تصوّت الكنيست على تعديلات في القانون تسيء كثيرًا شروط عمل العمّال الأجانب المختصين برعاية العجزة. هذه التعديلات التي تتضمّن قيودًا تعسّفية على حرّية العمّال الأجانب تعبّر عن “العبودية الحديثة”- كانت هذه كلمات المحكمة العليا الإسرائيلية. ستؤدّي هذه القوانين إلى عدم تجرّؤ العامل على الاستقالة، حتّى وإن تعرّض للتنكيل. إنّنا لا نبالغ، فمثل هذه الأمور تحدث اليوم، والقوانين الجديدة ستربط العامل بأسياده بصورة نهائية.”
עמודים: 1 2