كما وأدارت الهستدروت ظهرها في تلك الفترة لمشاكل حرجة أخرى كمشكلة البطالة، فامتنعت عن اتّخاذ أيّ موقف أو مبادرة تجاه الظاهرة المرفوضة التي تقضي باستيراد العمّال الأجانب للبناء والزراعة والتمريض، ولم تتدخّل في منظومة متفرّعة من القوانين والأوامر التي نقلت المزيد من الخدمات إلى الشركات الخاصّة. يُجري عوفر عيني في هذه الأيّام مفاوضات حول زيادة استيراد العمّال الأجانب للبناء، وقد عبّر عن دعمه لهذا الاقتراح الذي طرحه مقاولو البناء.
جمهور العاملين الاجتماعيين أيقظ الاتّحاد
على خلفية هذا الوضع الصعب، ظهرت في السنوات الأخيرة حركة تلقائية من العاملين الاجتماعيين أيقظت الاتّحاد من سباته. بدأ عاملون اجتماعيون في العمل منذ سنة 2007 لكبح خصخصة الخدمة الاجتماعية وهدم مكانة العمل الاجتماعي. عنبال شلوسبرچ التي تترأس اليوم “عموتا” (خلية العاملين الاجتماعيين الذين يعملون في الجمعيات في إطار اتّحاد العاملين الاجتماعيين) تصف في مكالمة هاتفية العملية المثيرة للاهتمام التي حدثت في صفوف جمهور العاملين الاجتماعيين في السنوات الأربع الأخيرة. “بادر سنة 2007 عاملان اجتماعيان إلى عريضة نادت بوقف الخصخصة. من جهة أخرى بادر د. روني كاوفمان من قسم العمل الاجتماعي في بئر السبع إلى بحث ميداني كشف الإخفاقات التي تعاني منها منظومة الجمعيات المخصخصة التي حلّت مكان الخدمة العامّة. في أعقاب هاتين المبادرتين وغيرها أقيم “مركز حماية حقوق العاملين الذين يعملون في الجمعيات والشركات”. تدّعي عنبال شلوسبرچ أنّ اتّحاد العاملين الاجتماعيين استجاب لهذه المبادرات وشارك في المبادرة منذ البداية، وأُقيم المركز بالتعاون بينه وبين مدرسة العمل الاجتماعي.
أقيمت في نفس الفترة سنة 2007 حركة “عتيدينو”. حسب موقع الإنترنت التابع للحركة، قامت هذه الحركة “بتنظّم تلقائي لعاملات اجتماعيات وعاملين اجتماعيين لدفع النضال من أجل تحسين شروط أجر العاملين الاجتماعيين والعاملات الاجتماعيات، ووقف المسّ الذي تسبّبه خصخصة الخدمات الاجتماعية. تنظر حركة “عتيدينو” بقلق إلى انهيار دولة الرفاه في إسرائيل وتعنى بجعل جمهور العاملين الاجتماعيين والعاملات الاجتماعيات لاعبًا هامًّا وحاسمًا في حلبة السياسة الاجتماعية- الاقتصادية في دولة إسرائيل.”
في الانتخابات التي جرت سنة 2009 لمؤسّسات الاتّحاد، رشّحت “عتيدينو” مرشّحين من طرفها لوظائف مختلفة في قيادة الاتّحاد، بما فيها وظيفة رئيس الاتّحاد، وحازت مرشّحتهم لرئاسة الاتّحاد على %40 من أصوات العاملين الاجتماعيين.
عنبال شلوسبرچ، من “عتيدينو” التي تشغل اليوم منصب رئيسة “عموتا”- وهي إطار يتبع لاتّحاد العاملين الاجتماعيين ووظيفته تنظيم العاملين الاجتماعيين في جمعيات ووضع حدّ للحالة التي يحتلّ فيها هؤلاء العاملون الاجتماعيون غير المنظّمين تدريجيًا مكان العاملين المنظّمين في الخدمة العامّة.
أقيمت “عموتا” في شباط 2010. تحدّثنا عنبال شلوسبرچ أنّه خلال السنة الأخيرة “بذلنا جهودًا كبيرة لإقناع العاملين الاجتماعيين بالانضمام إلينا وعن طريقنا إلى الاتّحاد. إلاّ أنّ ذلك لم يكن سهلاً. عبّر بعض العاملين الاجتماعيين في الجمعيات عن خشيتهم من كشف أنفسهم والانضمام إلى الاتّحاد”. تعترف عنبال اليوم بأنّها لم تنجح في تغيير الوضع بصورة جوهرية، لكن خلال سنة من العمل تمّ التواصل مع 2000 من 5000 العاملين الاجتماعيين في الجمعيات، وقد قامت بتحضير مجمّع معلومات عنهم من خلال اتّصال أوّلي ومحاولة لإقناعهم بالانضمام إلى الاتّحاد. وبالفعل انضمّ 500 من العاملين الاجتماعيين إلى الاتّحاد في هذه الفترة، ويشكّلون المجموعة الأولى والطلائعية للعاملين الاجتماعيين في الجمعيات التي تنظّمت. تدّعي عنبال أنّ هناك شعورًا بأنّ الإضراب خلق حراكًا جديدًا وأنّ هناك توجّهات كثيرة من العاملين الاجتماعيين في الجمعيات للانضمام في هذا الوقت بالذات.
طلاّب جامعيون بدون أمل
ناك مبادرة أخرى مثيرة للاهتمام وهامّة هزّت جمهور العاملين الاجتماعيين، وهي “عاملون اجتماعيون يقومون بالتغيير” (عوسيم شينوي) مجموعة من الطلاّب الجامعيين من تسع اقسام للعمل الاجتماعي في الجامعات أضافت مركِّبًا آخر للحركة الاحتجاجية التي نشأت في السنوات الأخيرة ضدّ الوضع في الخدمة الاجتماعية. إذا كان من المتوقّع ان يعمل ثلاثة من كلّ أربعة خرّيجي مدارس العمل الاجتماعي في جمعيات خاصّة بشروط أجر متدنّية وبدون حقوق، من الواضح لماذا رأوا هؤلاء الطلاّب ضرورة للتحرك. إقامة “عاملون اجتماعيون يقومون بالتغيير” هي خطوة للدفاع عن النفس. كرين ريڤنوڤيتس، التي تركّز مجال الاتّصالات في المجموعة تتحدّث عن نشوء المجموعة وعن نشاطها في الوقت الحاضر: “عاملون اجتماعيون يقومون بالتغيير” هي منظّمة قطرية يصل عدد أفرادها إلى مئات من الطلاّب الجامعيين للعمل الاجتماعي الذين قرّروا الاتّحاد والعمل من أجل مستقبل مهنة العمل الاجتماعي وخدمات الرفاه في إسرائيل. هدف المنظّمة هو عرض موقف الطلاّب الجامعيين في مختلف المسائل التي تتعلّق بتأهيل العاملين الاجتماعيين وبوضع العمل الاجتماعي عامّةً. نعمل من أجل إحداث تغيير في مكانة العمل الاجتماعي ومن أجل حثّ العاملين الاجتماعيين على العمل بفعّالية لتحسين وضعهم ووضع الرفاه. منذ إقامة المنظّمة في تشرين الثاني 2009، جرت اجتماعات للتوعية في الموضوع. وقد أجرت المنظّمة تعدادًا للعاملين الاجتماعيين في القطاع الخاصّ لصالح اتّحاد العاملين الاجتماعيين. وفي النضال الحالي يشارك أعضاء المنظّمة في دفع جمهور العاملين الاجتماعيين إلى التنظّم وإلى رفع مكانة المهنة في نظر الجمهور العريض وغير ذلك من النشاطات.
إضراب من أجل المستقبل
ن الصعب جسر الهوّة القائمة بين احتياجات العاملين الاجتماعيين وموقف وزارة المالية. مقابل موقف وزارة المالية والحكومة، اللتين تسعيان إلى خصخصة الخدمة الاجتماعية ومنع إيجاد ملاكات جديدة بكلّ ثمن، يقف العاملون الاجتماعيون الذين في واجهة الحرب ضدّ الضائقة الاجتماعية ويطالبون بأمور تبدو بسيطة ومنطقية- تسليحهم بوسائل لمعالجة المشاكل الصعبة وإعطاؤهم مقابلاً منصفًا.
تّحاد العاملين الاجتماعيين الذي تبنّى في السنوات الأخيرة المطالبة بوقف الخصخصة وطالب بمساواة شروط العمل لجميع العاملين الاجتماعيين، يشمل هؤلاء الذين يعملون في الجمعيات. يطرح هذه المشاكل بالإضافة إلى المطالبة بأجر عادل ورفعه بنسبة %30- %40 (مع مراعاة أن يحصل ذوو الأجر المنخفض على زيادة أجر أعلى).
وزارة المالية ووزارة الرفاه اللتان أجرتا المفاوضات من طرف الحكومة أبدتا ظاهريًا تعاطفًا مع العاملين الاجتماعيين، لكنّهما عمليًا عارضتا أيضًا نطاق الزيادة المطلوب وخاصّةً مطلب منح الزيادة لعاملي الجمعيات أيضًا.
قرّر اتّحاد العاملين الاجتماعيين لأسباب تكتيكية هذه المرّة في النضال عدم طرح المطالبة بزيادة ملاكات العاملين الاجتماعيين. كما ولم يطرح أيّ مطلب لتفضيل مصحّح في الوسط العربي وفي الضواحي بتاتًا. لو نجح الاتّحاد، رغم هذه السلبيات في تحديد أهداف النضال، في تحقيق مطلبه بأن تشمل الاتّفاقية العاملين الاجتماعيين الذين يعملون في الجمعيات الخاصّة، كان من الممكن الحديث عن إنجاز اجتماعي من الدرجة الأولى.
عارضت وزارة المالية مساواة الشروط هذه، لأنّها تعني إلغاء الأفضلية التي تكمن في تشغيل العاملين الاجتماعيين عن طريق الجمعيات، تلك الأفضلية التي توفّر أموالاً للدولة. تدرك وزارة المالية بأنّ التنازل للعاملين الاجتماعيين في هذه المسألة سيفتح المجال للمزيد من المطالب في مجالات التعليم والصحّة والخدمات المخصخصة الأخرى. وسوف تضطرّها هذه العملية إلى وقف إجراءات تقليص الخدمات العامّة بواسطة خصخصتها وتعزيز توجّه توسيع القطاع الخاصّ.
يصرّ مندوبو وزارة المالية في المفاوضات على منع توسيع الأمر بكلّ ثمن. رؤساء الهستدروت الذين يرافقون المفاوضات بدأوا على هذه الخلفية بالحديث يوم الخميس 10.3 عن “آلية رقابة”- تعبير هو ليس سوى غطاء واهٍ للتنازل عن أمر التوسيع. يقدّر المعلّقون الاقتصاديون أنّه بعد عودة عوفر عيني من خارج البلاد سيتمّ توقيع اتّفاقية بين الطرفين.
إذا حدث فعلاً وجلس رئيس الهستدروت كمتحدّث رئيسي باسم اتّحاد العاملين الاجتماعيين سيكون ذلك خطوة لا ديمقراطية تتجاوز الاتّحاد والعاملين الاجتماعيين الذين يمثّلهم. المسؤول عن إجراء المفاوضات باسم العاملين الاجتماعيين هو رئيس الاتّحاد وليس عوفر عيني الذي تحوّل مؤخّرًا إلى مفاوض في كلّ الأمور- الإضرابات في مختشيم أچان، الإضراب في مصانع البحر الميّت، إضراب الموانئ. قادة الاتّحاد الذين يشعرون بهموم العاملين الاجتماعيين هم الذين يمثّلونهم ويعرفون المهنة بكلّ ما فيها وبإمكانهم تمثيل العاملين الاجتماعيين على أفضل وجه.
بالإضافة إلى ذلك، من المتّبع في معظم الاتّحادات المهنية في العالم أنّه بعد أن يحقّق طاقم المفاوضات اتّفاقية، يجب نقاشها والتصويت عليها في المجلس الذي يقود الاتّحاد أو حتّى أن يصوّت عليها جميع أعضاء الاتّحاد. ويمكن بالتأكيد إجراء هذا الأمر في عهد الإنترنت خلال عدّة أيّام، وكان سيحوز على شرعية واسعة.
إلاّ أنّ الأمور قد تجري بصورة مغايرة هنا. رئيس الهستدروت سيحقّق مسارًا لا يشمل أمر توسيع وسيعلن من جانب واحد عن إنهاء الإضراب. العاملون الاجتماعيون الذين شاركوا في المسيرات سيضطرّون إلى وقف احتجاجهم. إذا كانت هذه نتيجة النضال بالفعل، يمكن التحديد بأنّ الإضراب لم يحقّق هدفه الرئيسي- تغيير توجّه هدم الخدمات الاجتماعية. يجب على القوى الدينامية التي برزت في صفوف العاملين الاجتماعيين أن تقف بالمرصاد لمنع تراجع المفاوضين من جانب العاملين الاجتماعيين في اللحظة الأخيرة. الحرب ليست على الأجر فقط، وإنّما هي حرب على الأمور الجوهرية في المجتمع- هل ستستمرّ الحكومة في خدمة أقلّية صغيرة من أصحاب رؤوس الأموال وفقًا للاقتصاد الحرّ أم ستملي أغلبية العاملين الأحرار أجندة اجتماعية جديدة تتيح للجميع كسب رزقهم بكرامة.
עמודים: 1 2