دوائر منفصلة وإجراءات إستثنائية للفلسطينيين، رفض إستيعاب وثائق والسماح بتقديم طلبات، رفض مكتب العمل إستيعاب ومعالجة طالبات العمل، توجيه إلى عمل وهمي، ظروف مسيئة لإستقبال الجمهور، عدم الإستجابة لمندوبي المشتكين – هكذا يمنع مكتب التأمين الوطني ومكتب العمل شبكة التأمين الاقتصادي-الاجتماعي من سكان شرقي القدس الفلسطينيين.
مقدمة
مع انقضاء 48 سنة للإحتلال يقف المجتمع الفلسطيني في القدس الشرقية أمام كارثة إنسانية حقيقية. فمن ضمن 307600 مقيم، هنالك 229300 يعيشون بفقر مدقع ليس كمثله في إسرائيل.[1]
من أجل تأدية وظيفتهم مقابل هذا الفقر المدقع كان على مكتب التأمين الوطني ومكتب العمل أن يعملا على توسيع دائرة المستفيدين من المخصصات، وبحديداً مستحقات ضمان الدخل – مستحقات معيشة مرتبطة بإختبار الدخل، والتي غايتها تقديم إمكانية الحد الأدنى للعيش بكرامة بجانب تطوير عملي وتشغيل وبالتالي إخراجهم من قبضة الفقر.
ولكن نسبة المستحقات المخصصة لسكان القدس الشرقية متدنية جداً، مما يوضح بلا أدنى شك أن هذه المؤسسات لا تؤدي وظائفها. كما تظهر التفاصيل في هذا التقرير، فإن التعامل في المؤسسات هذه مصاب بالتمييز الصارخ. وكالملح على الجراح تتراكم إعلانات وزراء الحكومة (الحالية وسابقاتها) التي توضح مواقفها وحسب ذلك فإن مخصصات مكتب التأمين الوطني في القدس الشرقية ليست حقاً للسكان كونهم يقيمون في إسرائيل، كما هي حق لبقية سكان الدولة، ولكنها تستخدم في إطار “العصا والجزرة” للسيطرة على المجتمع الفلسطيني.
بحسب المعطيات التي تم تقديمها لنقابة معاً من مكتب التأمين الوطني، نسبة طلبات ضمان الدخل التي تم إستيعابها والمصادقة عليها في فرع القدس الشرقية، متدنية بشكل إستثنائي من نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر والمحتاجين لهذه المستحقات. يتبين أن من الطلبات المقدّمة يتم رفض الغالبية الساحقة بحجة أنه “لم يتم تقديم الوثائق الملائمة” ونسبة كبيرة إضافية يتم رفضها بسبب عدم الإمتثال في إختبار التشغيل (الإمتثال في مكتب العمل والقبول بكل وظيفة ملائمة).
يدير فرع نقابة معاً في القدس الشرقية كل سنة حوالي 200 ملف مقابل مكتب العمل ومكتب التأمين الوطني، ويقدم إستشارة للمئات الذين يتوجهون إليه. من الشكاوى الكثيرة تظهر دائرة مفرغة لإعاقة المستحقات والتي تعمل كالتالي:
من جهة واحدة فإن مكتب التأمين الوطني لا يسمح بتقديم طلبات ضمان الدخل إذا لم يرفق طالب المستحقات كل الوثائق المطلوبة لمعالجة ملفه مباشرة عند تقديم الطلب. في حين أنه حسب الإجراءات على مكتب التأمين الوطني أن يستوعب كل الطلبات حتى ولو كانت الوثائق والتفاصيل الضرورية لإستكمال معالجة الملف ناقصة (إنظر إلى التفاصيل اللاحقة، في إطار الأمثلة على الملفات المحددة). وفي الحالات التي تم بها تقديم الطلب، فإن مكتب التأمين الوطني وبشكل منهجي ومدروس لا يعطي مصادقات تثبت أنه تم تقديم الطلب، أو أنه تم تقديم الوثائق المطلوبة. ومن جهة ثانية يرفض مكتب العمل تسجيل إمتثال طالبي العمل الذين ليس بحوزتهم مصادقات رسمية مختومة من مكتب التأمين الوطني تثبت أن طالب العمل قد قدّم طلباً، وهذا مخالف للإجراءات التي تقول بأنه يجب إستيعاب كل طالب عمل فور إمتثاله الأول وعدم إشتراط ذلك بأي مصادقة. بالإضافة لذلك فإننا نواجه في مكتب العمل مراكمة للصعوبات الإستثنائية أمام النساء مما يؤدي إلى توجيههن إلى عمل مسيء وأحياناً وهمي[2] مما يسبب منع المستحقات. وهكذا، بسبب هذا السلوك المؤذي والتمييزي من قبل المؤسستين تضيع غالبية الطلبات، وينتصر الفقر.
في هذا السياق من الضروري التوضيح بأن إجراءات إستيعاب الطلبات هذه بدون جميع الوثائق المطلوبة من أجل معالجة الطلب هي في غاية الأهمية خاصة حين نتحدث عن سكان القدس الشرقية، الذين يضطرون عند تقديم طلب ضمان الدخل ليس فقط إلى إجراء فحص الدخل كما هي العادة عندما يتوجه الى التأمين اي مواطن إسرائيلي (لإثبات أن دخلهم غير كاف لتأمين معيشتهم حسب القانون) وإختبار التشغيل (الإمتثال كما هو مطلوب في مكتب العمل والقبول بكل عمل ملائم) إنما عليهم الخضوع لإختبار إقامة متشدد، وأن يثبتوا في ه ذا الإختبار من خلال الكثير من الوثائق أنهم وأبناء عائلتهم هم فعلاً مقيمون في القدس او تحت سيادة دولة إسرائيل. أحياناً يتطلب منهم هذا الإجراء إيجاد وثائق كثيرة غالباً ما تمنع من المحتاجين حقاً أن يقدموا الطلب وهكذا يتم إفشال طلبه سلفاً مع العلم أنه يستحق وبكل المعايير.
التقرير الذي أمامكم يسعى إلى تقديم صورة واقعية للمعطيات المتعلقة بالمعيقات والعراقيل التي يواجهها سكان القدس الفلسطينيين عندما يطالبون المستحقات المعيشية لمن يستحقونها.
القسم الأول: شبكة الأمان الاجتماعية الاقتصادية في القدس الشرقية مليئة بالثقوب
مستحقات ضمان الدخل التي يطرحها جوهر هذا التقرير، تغلّف منح الحد الأدنى لمستحقات المعيشة مع التأهيل المهني لأولئك القادرين على الإندماج في العمل. منح المستحقات مشروط بالخضوع لإختبارين متشددين: 1. إختبار الدخل، يثبت من خلاله طالب المستحقات لمكتب التأمين الوطني أن ليس لديه أي دخل يسمح له ولعائلته بالعيش، أو أن دخله ليس كافياً للعيش الكريم حسب تحديد القانون. 2. إختبار عمل يتطلب بموجبه أن يمتثل كل طالب للمستحقات (بشكل عام مرّة في الأسبوع) في مكاتب مكتب العمل في منطقة سكنه وأن يقبل بكل إقتراح عمل ملائم لوضعه الصحي. فقط حين لا يتم إيجاد عمل ملائم له يحصل على مستحقات تأمين الدخل.
الغالبية العظمى ممن يتوجهون لطلب المساعدة من فرع نقابة معاً في القدس الشرقية يطلبون مساعدة تسمح لهم بانتزاع الحق في مستحقات ضمان الدخل.
فقراء أكثر – يأخذون أقل
بحسب المنشور الإحصائي السنوي لسنة 2015، والذي نشره معهد القدس للدراسات الإسرائيلية، 76% من السكان، 70% من العائلات الفلسطينية، و83.9% من الأولاد في القدس الشرقية يعيشون تحت خط الفقر، ومعدل دخلهم أقل ب 41.4% من الدخل الذي يعتبر خط الفقر في إسرائيل[3]. ولكن نسبة السكان الحائزين على حق الحصول على مستحقات ضمان الدخل متدنية بشكل بارز عن المتوسط في عموم المجتمع الفقير في إسرائيل. في سنة 2013 فقط 7% من السكان الفقراء في القدس الشرقية حصلوا على مستحقات ضمان الدخل. نسبة 2.7٪ فقط من مجمل مدفوعات ضمان الدخل تصل الى سكان القدس الشرقية رغم أن نسبة فقراء القدس الشرقية هي 13% من مجمل الفقراء في إسرائيل، ومعدل فقرهم هو الأكثر تطرفا.
من أجل المقارنة: في سنة 2013، نسبة 22% من مجمل سكان إسرائيل و 18.6% من العائلات في إسرائيل عاشوا تجت خط الفقر. معدل دخلهم كان أقل ب 32.8% من مستوى دخل خط الفقر ونسبة 24.13% تمتعوا من الحصول على مستحقات ضمان الدخل (باستثناء معطيات القدس الشرقية 26.5% من سكان إسرائيل الفقراء حصلوا على مستحقات ضمان الدخل). في القدس الغربية، والتي تعاني هي أيضاً من معطيات فقر عالية – يشكل المجتمع الفقير 8.2% من مجمل فقراء إسرائيل، في حين 27% من سكانها و 21.5% من العائلات تعيش تحت خط الفقر، معدل دخلهم أقل ب 36% من الدخل الذي يعتبر خط فقر، ولكن نسبة الحاصلين على المستحقات أعلى بكثير – 10% من السكان الفقراء يحصلون على مستحقات تأمين الدخل و 3% من مجمل مستحقات تأمين الدخل تصل إلى أياديهم.
الخلاصة: بينما أكثر من ربع (26.5%) من مجمل الفقراء في إسرائيل (بإستثناء سكان القدس الشرقية) يحصلون على مستحقات ضمان الدخل، فإن فقط 7% من سكان القدس الشرقية الذين يعيشون تحت خط الفقر يحصلون على هذه المستحقات، رغم أن فقرهم أكثر حدّة ويتطلب توزيعاً أشمل للمستحقات. هذا المعطى يؤكد على التعامل المختلف الذي يحصل عليه السكان الفلسطينيون فيما يخص توزيع المستحقات، بطريقة تجعل مدينة القدس الشرقية تعاني من كارثة إنسانية.
بين 1/6/2014 و31/5/2015 (حسب المعطيات التي تسلمتها نقابة معاً من قسم حرية المعلومات في مؤسسة التأمين الوطني) تم إستيعاب 2,989 طلب لضمان الدخل في فرع التأمين الوطني في القدس الشرقية، من ضمنهم تم إتخاذ قرار بشأن 2,767 طلب – 846 طلباً تمت الموافقة عليهم و 1,921 من الطلبات تم رفضها.
جدول معدل لرفض 120 طلباً شهرياً في فرع القدس الشرقية لمكتب التأمين الوطني بين 1/6/2014 و31/5/2015 (بحسب الحجة الرئيسية لرفض الطلب)
سبب الرفض حسب المعدل الشهري | فرع القدس الشرقية |
عدم إتمام الوثائق المطلوبة | 69 |
عدم الصمود في اختبار العمل (صاحب الطلب و/أو الزوج) | 32 |
الدخل (رفض بسبب دخل إضافي) | 12 |
حيازة أكثر من سيارة | 5 |
قيمة السيارة | 1 |
رفض بسبب التعليم | 1 |
المجموع | 120 |
*بعد إرسال تذكير وتبليغ عن تأخر المعالجة
تحليل أسباب الرفض يظهر أن السبب الرئيسي الجارف (57%) للرفض هي أسباب بيروقراطية – عدم إستكمال الوثائق، السبب الثاني (26%) هو عدم إجتياز إختبار العمل (عدم الصمود أمام طلبات الإمتثال لمكتب العمل)، 10% من الطلبات تم رفضها بسبب مصدر دخل إضافي، وال 7% المتبقية تم رفضها لأسباب أخرى (أنظر الجدول).
حقيقة أن غالبية الطلبات تم رفضها لأسباب بيروقراطية (إما في أعقاب سلوك صاحب الطلب أو سلوك مكتب التأمين الوطني) كان يجب أن تجعل مكتب التأمين الوطني يختبر سلوك فرع القدس الشرقية وأن يبحث عن طرق للتخفيف على مقدمي الطلبات، وخاصة حين يكون الحديث عن مجتمع ناطق بالعربية والذي عُرّف من مكتب التأمين الوطني بنفسه أنه يعاني من فقر حاد. ولكن كما يوضح هذا التقرير، بدل التخفيف عنهم، يتم إضافة مصاعب تبعد سكان القدس الشرقية أكثر عن إمكانية تأمين حقهم في المستحقات. نشير في هذا الموضوع أن تمت عدة محاولات من طالبي المستحقات الذين رافقتهم نقابة معاً لتقديم طلبات باللغة العربية ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل إذ تم رفضها بحجة أنه من غير الممكن تقديم الطلبات باللغة العربية.
آلية الإعاقة: مكتب التأمين الوطني يعيق تقديم الطلبات – مكتب العمل يعيق إمتثال المتقدمين بالطلبات.
في الفترة التي تم خلالها جمع معطيات التأمين الوطني المذكورة أعلاه، مثّل فرع القدس الشرقية في نقابة معاً حوالي 200 إنسان: من بينهم 158 أمام مكتب التأمين الوطني، منهم 80 طالب مستحقات ضمان الدخل (والبقية طلبات بدل إصابة العمل وبدل البطالة) و 42 أمام مكتب العمل. كما جمعنا العشرات من الشكاوي وشهادات إضافية من خلال العمل الميداني وورشات التمكين
– من بين 80 طلب رافقناهم مقابل مكتب التأمين الوطني، 27 إنتهوا بنجاح، و 36 ما زالوا قيد المعالجة. في إطار هذه المعالجة أجرينا في نقابة معاً تبادل كم هائل من الرسائل مع مكتب التأمين الوطني كان جوهرها مطالبة التأمين الوطني بالإستجابة لرسائلنا.
– نسبة 95% من ملفات المطالبين واجهنا رفض مكتب التأمين الوطني بحجة أن ليس بحوزتهم كل الوثائق المطلوبة.
– في 70 ملفواجهنا عدم إعطاء تصديق عن تقديم الطلب.
– بكل الملفات واجهنا حالات يرفض فيها الموظفون إعطاء تصديق عن تسليم وثائق رغم أنه تم تسليمهم باليد من قبل المطالبين.
– بكل الملفات واجهنا حالات طالب فيها الموظفون شفهياً وثائق إضافية، من دون أن يرفقوا طلبهم هذا بقائمة كتابية للوثائق المطلوبة، مثلما يتم الأمر في بقية الفروع في البلاد.
– من بين 42 طالبي العمل الذين مثلناهم أمام مكتب العمل، 22 ملفاً تعاملوا مع معيقات تقف في وجه طالب العمل في عملية الإستيعاب والتصنيف في الفرع والإمتثال الأسبوعي فيه – حيث العائق الأكثر إستفزازاً هو الرفض المنهجي والمدروس لمكتب العمل في إستيعاب طالبات عمل بدون مصادقة رسمية مختومة من مكتب التأمين الوطني تثبت أنهن فعلاً قمن بتقديم طلب لضمان الدخل. كما هو معلوم، فرع مكتب التأمين الوطني يرفض منح هذه المصادقة.
– 13 ملفاً إضافياً تخص تسجيل رفض عمل، بعضهم تم تسجيل الرفض بالخطأ ومصدره تصنيف مغلوط أثناء الإستيعاب في الدائرة، حيث تم توجيه طالبي العمل إلى عمل لا يلائم وضعهم الصحي، وآخرون مصدرهم التوجيه إلى “عمل وهمي”.
مجمل الملفات التي تمت معالجتها عن طريق نقابة معاً مقابل مكتب التأمين الوطني بين 1/6/2014 و31/5/2015
نوع الطلب/ طريقة المعالجة | إنتهوا بدون نجاح | إنتهوا بنجاح | إستشارة فقط | قيد المعالجة | المجموع |
ضمان الدخل | 7 | 23 | 14 | 36 | 80 |
بطالة | 6 | 7 | 1 | 9 | 23 |
إصابات عمل | 4 | 5 | 1 | 11 | 21 |
غير ذلك | 10 | 7 | 6 | 11 | 34 |
المجموع | 27 | 42 | 22 | 67 | 158 |
مقابل مكتب العمل
الحالة / كيفية المعالجة | إنتهت بدون نجاح | إنتهت بنجاح | إستشارة فقط | قيد المعالجة | المجموع |
إمتثال | 1 | 8 | 2 | 11 | 22 |
تسجيل رفض | 3 | 5 | 0 | 5 | 13 |
غير ذلك | 2 | 3 | 0 | 2 | 7 |
المجموع | 6 | 16 | 2 | 18 | 42 |
من بين طلبات ضمان الدخل التي رافقناها مقابل مكتب التأمين الوطني ومكتب العمل واجهنا عائقين رئيسيين في أداء المؤسستين يؤديان إلى رفض الطلبات:
- عدم إستيعاب الوثائق والطلبات في مكتب التأمين الوطني، وعدم التبليغ كتباياً عن وثائق مطلوبة.
- عدم إستيعاب طالبات عمل في مكتب العمل، وفشل في التصنيف مما يؤدي إلى عدم إجتياز إختبار العمل وسحب المستحقات
- هذه العوائق ظهرت حتى في تعامل المؤسستين مع نفابة معاً، حيث يرفض مكتب العمل بشكل جارف أن يجيب على توجهات النقابة الممثلة لطالبي العمل. بما يتعلق مكتب التأمين الوطني فعلى الرغم من وجود قناة إتصال مفتوحة مع مديرة الفرع تستصعب تزويدنا بأجوبة عينية دون اللجوء إلى القوالب القضائية، وحتى حين نحصل على جواب، فإن وقت الإنتظار للإجابة يكون أحياناً أشهر طويلة.
من الضروري التأكيد في هذا السياق أن الأوامر التي يتم خرقها من قبل كلا المؤسستين هي مثابة تعليمات واضحة تمت صياغتها من قبل المؤسستين نفسهما. هذه الأوامر تلزم كل موظف بكل واحدة من المؤسسات، وبما أن الحديث يدور عن مؤسسات عامة فإنها ملزمة بأسس المساواة – هم ملزمون حتى من حقيقة أن بقية الفروع للمؤسستين في البلاد تتعامل وفق هذه الإجراءات، وذلك لمنع التمييز ضد الفئات المجتمعية.
الخلاصة: تكرار العيوب المفصلة أعلاه في أداء وسلوك المؤسستين، تحوّل عملية تقديم طلبات ضمان الدخل وخاصة تقديم الوثائق والإمتثال في مكتب العمل إلى حرب إستنزاف بيروقراطية لسكان القدس الشرقية الفلسطينيين، حيث تتلاعب المؤسسات المسؤولة فيما بينها بالمطالبين، ويتقاذفونهم كالكرات من مؤسسة إلى أخرى، حيث الأولى لا تمنح مصادقة على الطلب والثانية لا تسمح له بالإمتثال دون تقديم المصادقة ذاتها. كل هذا يتم بمخالفة للأوامر ويأتي كبديل لتصرف موضوعي الذي كان من المقرر أن يؤكد بأن يحصل من يستحق على مستحقاته المعيشته بعد إجتيازته لإختبارات منطقية، ومساعدته في إيجاد عمل ملائم. حسب تقديرنا فإن هذا الأداء هو المسبب الأساسي في النسبة العالية للطلبات المرفوضة.
القسم الثاني: حالات شخصية
فيما يلي تفاصيل عدد من الحالات التي تعاملت معها “معاً” خلال السنة الماضية في تمثيل مؤمّنين مقابل مكتب التأمين الوطني، وطالبي عمل مقابل مكتب العمل. هذه الحالات تقطع الشك باليقين حول الصعوبات والعوائق التي يضطر طالبي العمل من سكان القدس الشرقية للتعامل معها بشكل يومي.
مكتب العمل يمنع المؤمّنين من التسجيل كطالبي عمل من خلال استخدام “إجراءات استثنائية” لفرع القدس الشرقية، مكتب التأمين الوطني لا يسمح بتقديم طلبات ولا يقدم موافقات للطلبات التي تُقدّم في فروع التأمين الوطني الأخرى: النتيجة هي خرق ثنائي- وقائع سحب الإستحقاقات معروفة مسبقاً.
حكاية أمل، هبة وإبتسام
على طالب مستحقات ضمان الدخل أن يقدم طلباً لمكتب التأمين الوطني مباشرة عند توفر شروط الإستحقاق. مستحقات ضمان الدخل تصنّف على أنها مستحقات الحد الأدنى للعيش المحترم، وعلى أنها كذلك، فإنه لا يتم صرفها بأثر رجعي أنما فقط منذ تقديم الطلب فقط. إستمارة الطلب تؤكّد أهمية تقديم الطلب بشكل فوري – حتى حين لا تتوفر عند المتقدم بالطلب كل الوثائق اللازمة، فبإمكانه توفيرها لاحقاً حسب طلب مكتب التأمين الوطني. على مكتب التأمين الوطني أن يقدم تأكيداً كتباياً عن استلام الطلب وكل الوثائق المرفقة، أيضاً مطالبة كتابية لكل الوثائق الإضافية إذا لزم الأمر- هذا هو الإثبات الوحيد على أن الطلب قد قُدّم وتاريخ تقديمه.
مقابل ذلك، على طالب المستحقات أن يمتثل في مكتب العمل كطالب عمل كشرط للإستحقاق، وذلك بشكل فوري، وأن اليوم الأول لامتثاله في مكتب العمل هة اليوم الأول لإستحقاقه لمخصصات ضمان الدخل.
ممثلي “معاً” يواجهون خرق الإجراءات من المؤسستين بشكل يومي، وكل منهما بشكل منفصل، وبالتأكيد مجتمعتين، تؤديان إلى سحب الإستحقاقات.
هكذا هي حكاية أمل. أمل وأولادها عانوا من عنف قوي على يد والد الأسرة، والذي كان هو معيلهم الوحيد. بعد أن قدّمت أمل ضده شكوى في الشرطة، اعتُقل وانقطعت كل العلاقات معه، وخرجت أمل إلى حياة جديدة. توجهت إلى مكتب الرفاه وتم تحويلها إلى برنامج التمكين المهني التابع لوزارة الإقتصاد. بموازاة ذلك طلبت أمل أن تقدم طلباً لضمان الدخل في مكتب التأمين الوطني. إلّا أنهم رفضوا في فرع التأمين الوطني في القدس الشرقية استلام طلبها بحجة أن “الوثائق المطلوبة لمعالجة ملفها ناقصة”، وذلك خلافاً للإجراءات التي تلزمهم باستلام طلبها، ومن ثم الطلب منها إتمام الوثائق الناقصة في حال وجودها. على ما يبدو فالأمر ليس ثغرة تقنية فقط – رفض استلام الطلب يلغي موعد تقديمه وبالتالي موعد استحقاق المخصصات، ولا حاجة للحديث عن معنى الصعوبات الكثيرة التي تترتب عن هكذا خطوة خاصة حين يكون الحديث عن مستحقات الحد الأدنى للعيش بكرامة.
بالموازاة أيضاً تقدمت أمل إلى مكتب العمل كما هو مطلوب لتتسجل كطالبة عمل، إلّا أنها واجهت هناك أيضاً مجموعة صعوبات وعوائق. عند أول امتثالٍ لها، رفض حراس المكتب السماح لها بالدخول إلى المبنى بحجة أنها جاءت في يوم استقبال الجمهور المعدّ للرجال فقط. في هذا السياق من الضروري التنويه إلى أن حراس المكتب يسمحون للرجال الذين يأتون للإمتثال أول مرة بالدخول حتى حين يصلون في يوم الإستقبال المعدّ للنساء فقط. مما يعني أن الحديث ليس فقط عن خرق الإجراءات والتمييز مقارنة مع بقية الفروع إنما تمييز حسب الجنس أيضاً.
وحين عادت أمل في اليوم المعدّ لإستقبال النساء، رفض مدير المكتب السيد موشبه بكر السماح لها بالتسجيل كطالبة عمل، هذه المرّة بحجة أنه لا يستطيع ذلك إلّا بعد أن تُقدّم له وثيقة مطبوعة ومختومة من التأمين الوطني المصادق على أنها قدّمت طلب ضمان الدخل. هذا الطلب مخالف للإجراءات التي تلزم بالتسجيل الأولي بعرض بطاقة الهوية فقط. هنا أيضاً ليس الحديث عن طلب تقني فقط، والذي يعني تأجيل موعد الإمتثال الأول (أو منع الإمتثال بشكل عام) بل عن تأجيل موعد التسجيل الذي يترتب عليه تأجيل موعد إستحقاق الممصصات (أو منع الإستحقاق بشكل عام).
فقط بعد أن توجهت أمل إلى “معاً” وفقط بعد تدخّلت نقابة معاً وأرسلت طلبها إلى التأمين الوطني، ومن ضمنها نسخة إلى مدير فرع التأمين في القدس الشرقية، وتوجهت أيضاً من خلال فاكس مستعجل ورسائل نصّيّة إلى مدير مكتب العمل، وذلك لمعاودة التأكيد على الإجراءات التي تلزمه، بعد هذا التدخل فقط حصلت أمل على معالجة عادلة لملفها من قبل المؤسستين. بدون تدخّل “معاً” كان طلب أمل سيُرفض في أعقاب السلوك الموضّح أعلاه.
עמודים: 1 2