عندما تسألين جوجل عن كيفية الاستعداد لولادة طفلك الأول، فإن الإجابات متنوعة، لكن لا أحد منها يتضمن البيروقراطية المؤلمة التي كان على أحلام (اسم مستعار) من سكان القدس الشرقية، أن تمر بها، قبل شهر من الولادة التي طال انتظارها. وهي ليست الوحيدة. هذا هو طريق الالام الذي يجب على كل امرأة تزوجت رجلا من سكان الضفة الغربية أن تمر به عندما تحين ساعة ولادتها (وللأسف العراقيل امام المرأة الفلسطينية كثيرة وهذه واحدة منها).
تعمل أحلام في وظيفتين في القدس، وتدفع الضرائب في إسرائيل، بما في ذلك الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي. قبل الولادة المنتظرة، خضعت أحلام لدورة تحضيرية للولادة، وزارت عدة غرف للولادة في عدة مستشفيات وقررت الولادة في مستشفى هداسا جبل المشارف.
في الشهر الثامن من حملها، عندما حضرت للتسجيل للولادة في المستشفى، اتضح لأحلام أنها يجب أن تترك شيك للضمان بمبلغ 16000 شيكل تقريبًا لتغطية نفقات المكوث في المستشفى في حالة عدم قيام مؤسسة التأمين الوطني بذلك. وذلك كشرط للولادة هناك.
هكذا اتضح لها لأول مرة أنه بسبب زواجها من أحد سكان الضفة الغربية، تجري مؤسسة التأمين الوطني فحصًا شاملاً للتحقق من أنها تعيش بالفعل في إسرائيل، وذلك قبل الموافقة على تمويل تكاليف الولادة. قيل لها إن إجراءات التحقق من ذلك تستغرق حوالي ثلاثة أشهر.
وعلى ما يبدو فان هذا الاجراء يفرض على كل امرأة إذا كان زوجها ليس مواطنا اسرائيليا. لكن الوضع يختلف بالنسبة للمرأة الفلسطينية: أولاً، لا توافق دولة إسرائيل على لم شمل لأسر النساء الفلسطينيات المتزوجات من أحد سكان الضفة الغربية. يمكن لزوج امرأة إسرائيلية غير فلسطينية الانتقال للعيش في إسرائيل والحصول على المواطنة ولذلك هذا الإجراء غير مطلوب في اغلب الحالات. هذا الخيار غير متاح بالنسبة للمتزوجين من سكان الضفة، وبالتالي فهو يحول دون حصولهم على سلسلة من الحقوق الممنوحة لعائلات أخرى. هكذا يحدث أن العديد من النساء اللواتي يسكنن في القدس عليهن إثبات مرارًا وتكرارًا – في كل مرة لغرض مختلف – أنهن يعشن في المكان الذي يعشن فيه. على الرغم من أن مؤسسة التأمين الوطني تعلم أن أحلام تعمل في وظيفتين في إسرائيل وتدفع أقساط التأمين (بما أن هذه التفاصيل يتم الإبلاغ عنها مباشرة من قبل أرباب العمل)، فإن هذا لا يكفي.
بالإضافة إلى ذلك، من أجل التحقق من ان مركز حياة امرأة في اسرائيل، فيمكن لمؤسسة التأمين الوطني توظيف محققين نيابة عنها للحضور إلى منزلها للتحقق من مكان إقامتها. لكن في القدس الشرقية، مؤسسة التأمين الوطني ليست في عجلة من أمرها لإرسال محققين، أحيانًا بحجة ان الوضع غير آمن للتجول في أحياء القدس العربية، وعليه يمكن أن يستغرق الإجراء وقتًا أطول بعد أن تضع المرأة بالفعل طفلها. طوال هذا الوقت، تُضطر المرأة على العيش في توتر، بعد أن أودعت شيكًا للضمان بمبالغ خيالية (خاصة عند الأخذ في الاعتبار ارتفاع معدل الفقر في القدس الشرقية).
أرادت أحلام بشدة أن تلد في هداسا جبل المشارف. كان لديها انطباع جيد عن غرف الولادة، بالإضافة إلى أن الفحوصات الأولية أثارت الخوف من وجود عيب في القلب لدى الجنين، وأرادت أن تقدم له رعاية طبية جيدة. لكن طلب إيداع شيك بهذا المبلغ المرتفع دفعها إلى الولادة في مستشفى سانت جوزيف، حيث وافقوا على تلقي 5000 شيكل فقط نقدًا.
وصلت أحلام إلى مكتب نقابة معًا في القدس الشرقية بعد ان إتضحت لها التعقيدات البيروقراطية المتعلقة في الموضوع. أدت استفسارات مندوبين عن مكتب معًا إلى مؤسسة التأمين الوطني إلى تسريع عملية التحقق: قبل يوم من الولادة، حضر محقق من التأمين الوطني إلى منزلها، وبعد أيام قليلة من الولادة، تم تأكيد إقامتها ومعها حقها بتلقي تمويل مصاريف العلاج في المستشفى وبدلات الولادة، وأعيد لها مالها.
رغم عن ان الازمة الخاصة باحلام تم حلها بطريقة ايجابية نسبيا فنرى ان هذه الاجراءات البيروقراطية الشريحة الأضعف: النساء الفلسطينيات من سكان القدس. وعلى الرغم من حقيقة أن هذه مشكلة شائعة، إلا أنه يبدو أن مؤسسة التأمين الوطني لا تتخذ الإجراءات المناسبة لإبلاغ السكان المعنيين باللغة العربية بالإجراءات المطلوبة والمدة الزمنية التي تستغرقها.
النتيجة هي أن المرأة المقدسية التي تقرر الإنجاب قد تواجه في طريقها الى الولادة التشكيك في جميع حقوقها الطبية، وتجاهل الاعتبارات الطبية لرفاهية الطفل واختيار مكان الولادة على أساس القدرة المالية وحدها. هذا هو أمر بالغ الخطورة ويجب على مؤسسة التامين الوطني ان تدرك بانه يمس في حق اساسي للنساء – حقهن بولادة اطفالهن بظروف من الهدوء والطمانينة وليس تحت مظلة من التوتر والخوف.